ربط المسؤولية بالمحاسبة… إصلاح حقيقي لقطاع الصحة بجهة فاس–مكناس
بقلم: محمد الطبيب
جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان
يبدو أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بقيادة الوزير أمين التهراوي، دخلت مرحلة جديدة من الإصلاح الحقيقي، بعدما أقدمت على إعداد لائحة سوداء لمسؤولين جهويين وإقليميين سيتعرضون للإعفاء، إثر تقارير تفتيشية كشفت عن اختلالات خطيرة في تسيير المستشفيات والمراكز الصحية العمومية بعدد من الجهات.
هذا القرار الجريء يعكس إرادة سياسية وإدارية قوية في محاربة الفساد وسوء التدبير داخل القطاع، وإرساء ثقافة جديدة عنوانها الوضوح، والفعالية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
لكن إذا كان الوزير قد بادر إلى اتخاذ إجراءات في بعض الجهات، فإن جهة فاس–مكناس بدورها تستحق أن تكون في صلب هذا الورش الإصلاحي، لما تعرفه من اختلالات مقلقة على مستوى الخدمات الصحية، خاصة في أقاليم تاونات، مولاي يعقوب، وبولمان.
في تاونات، يشتكي المواطنون من نقص حاد في الأطر الطبية وشبه الطبية، وغياب التجهيزات الأساسية في المستشفى الإقليمي الذي أصبح عاجزا عن الاستجابة للطلب المتزايد، ناهيك عن تعثر مشاريع البنية التحتية الصحية وتدهور حالة المراكز القروية.
أما في مولاي يعقوب، فتعاني الساكنة من ضعف التغطية الصحية وغياب بعض التخصصات الحيوية، ما يضطر المرضى إلى التنقل نحو فاس لتلقي العلاجات، في مشهد يجسد غياب العدالة المجالية في الولوج إلى الخدمات الصحية.
وفي بولمان، لا تزال العزلة الجغرافية وسوء توزيع الموارد تشكل عائقا أمام أي تنمية صحية منصفة، في ظل بطء الإصلاح وضعف التنسيق بين المصالح الجهوية والإقليمية.
إن هذه الوضعية، وغيرها من مظاهر الخلل، لا يمكن تفسيرها فقط بنقص الموارد أو ضعف الإمكانيات، بل ترتبط أيضا بإشكالات الحكامة والتدبير والمساءلة. فهناك مسؤولون يسيرون القطاع بعقلية تقليدية، بعيدة عن منطق الكفاءة والنجاعة والمواطنة الإدارية، ما يستدعي مراجعة شاملة للقيادات الجهوية والإقليمية.
وإذ نثمن توجه الوزارة نحو تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإننا نؤكد أن هذا المبدأ يجب أن يكون شاملا وغير انتقائي، يشمل كل من ثبت تقصيره أو تورطه في سوء التدبير، أيا كان موقعه.
فالإصلاح لا يتحقق بالشعارات، بل بالجرأة في اتخاذ القرار، والصرامة في تنفيذ التوصيات، والمتابعة الدقيقة لمخرجات التفتيش والمراقبة.
إن الحكومة اليوم، وهي تخصص ميزانية ضخمة بملايير من الدراهم من فلوس الشعب، لإصلاح وتأهيل المستشفيات العمومية، مطالبة بأن تواكب هذه الجهود بمراجعة عميقة لمنظومة التسيير الجهوي، وضمان أن تصرف هذه الموارد في مكانها الصحيح، بما يعود بالنفع المباشر على المواطن، لا على شبكات المصالح الضيقة.
ختاما، إذا كان المواطن ينتظر من الدولة أن توفر له العلاج والدواء في ظروف إنسانية تحفظ كرامته، فإن الدولة بدورها من حقها أن تطالب مسؤوليها بالنزاهة، والكفاءة، والمحاسبة.
فالإصلاح الحقيقي يبدأ عندما يحاسب المقصر ويكافأ المجتهد، وحين تصبح المسؤولية تكليفا لا تشريفا، وعندما يشعر كل مسؤول أن المنصب ليس حصانة، بل عهدة أمام الوطن والملك والمواطنين.
