السفير 24
يجد الوالي الجديد على جهة فاس-مكناس، خالد آيت الطالب، نفسه أمام واقع متأزم يعكس سنوات من سوء التدبير وغياب الحكامة، حيث تحولت العاصمة العلمية للمملكة إلى نموذج صارخ لاختلالات التسيير المحلي وفوضى المجالس المنتخبة. فمدينة فاس، بتاريخها العريق ورمزيتها الثقافية، تعاني اليوم تراجعاً مقلقاً في الخدمات الأساسية والبنية التحتية، مما يضع الوالي أمام تحدٍّ مزدوج: إعادة النظام وتأهيل المدينة للاستحقاقات الكبرى المقبلة.
الكابوس الثلاثي: النظافة، النقل، والمال العام
تختزل معاناة فاس في ثلاثة ملفات أساسية تمثل عنوان الفشل المحلي:
النظافة… صفقة الـ22 مليار سنتيم التي لم تنظف المدينة:
رغم ضخامة ميزانية التدبير المفوض لقطاع النظافة، ما تزال شوارع فاس غارقة في الأزبال. فدفتر التحملات الجديد بقي حبراً على ورق أمام ضعف المراقبة وتراخي المجالس المتعاقبة، مما جعل القطاع أحد أبرز مظاهر الإخفاق الجماعي في التسيير.
النقل الحضري بين الإفلاس والتقاعس:
شركة “إيصال” التي تدبر النقل الحضري تواجه انهياراً شبه تام، بأسطول محدود ومهترئ، فيما يعيش قطاع سيارات الأجرة فوضى تنظيمية خانقة. النتيجة: مواطنون يعانون التنقل اليومي، ومدينة بلا رؤية واضحة لتحديث وسائل النقل العمومي.
المال العام رهينة الصراعات السياسية:
التجاذبات بين مكونات المجالس المنتخبة شلت تنفيذ المشاريع التنموية وأخرت العديد من الأوراش، ما جعل المال العام ضحية الحسابات السياسية الضيقة، وأفقد المواطنين الثقة في جدوى المؤسسات المنتخبة.
فوضى عمرانية وبؤس اجتماعي يهددان المدينة
تعيش فاس أيضاً على وقع اختلالات عمرانية واجتماعية خطيرة، أبرزها:
تفشي البناء العشوائي:
في أحزمة البؤس المحيطة بالمدينة، ينتشر البناء غير القانوني تحت أعين السلطات، بتواطؤ من بعض المنتخبين الذين سمحوا لـ“مافيا العقار” بالتمدد على حساب القانون والمصلحة العامة.
احتلال الملك العمومي:
تحولت شوارع المدينة وأزقتها إلى أسواق مفتوحة، حيث يفترش الباعة الجائلون الأرصفة والطرقات، ما تسبب في شلل مروري دائم وصورة حضرية مشوهة تُظهر غياب هيبة الدولة.
ركود اقتصادي وبطالة متزايدة:
تراجع جاذبية المدينة للاستثمار، وضعف أداء المركز الجهوي للاستثمار، أدّيا إلى ركود اقتصادي واضح وارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب.
مهمة الوالي: بين كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030
تفرض هذه التحديات على الوالي خالد آيت الطالب وضع خارطة طريق استعجالية لإعادة هيكلة المدينة وتأهيلها لمواكبة الأحداث الرياضية الكبرى المقبلة:
رفع جاهزية المدينة لكأس إفريقيا للأمم 2025، عبر تسريع وتيرة الأشغال وتحسين المرافق الرياضية والبنى التحتية.
التحضير لاستضافة كأس العالم 2030، وفق دفتر تحملات “الفيفا”، مما يستدعي إصلاحاً شاملاً لقطاعات النقل والنظافة والتهيئة الحضرية.
تفعيل مبدأ المحاسبة والصرامة في القرار، لمواجهة كل مظاهر الفساد والتهاون التي تعيق الإصلاح.
فاس… لحظة الحقيقة
مدينة فاس لم تعد تحتمل المزيد من الوعود الفارغة ولا الحلول الترقيعية. الوضع الراهن يتطلب قرارات حازمة وشجاعة تعيد للمدينة بريقها التاريخي ومكانتها الوطنية.
الوالي الجديد أمام اختبار مصيري: إما أن يعيد لفاس هيبتها كعاصمة روحية وثقافية، أو أن تبقى رهينة فوضى التدبير والجمود الإداري.
فاس اليوم تنتظر من خالد آيت الطالب جرأة القرار وسرعة التنفيذ… لإنقاذ ما تبقى من مجدها قبل أن يفوت الأوان.


