فاس (المغرب) / الأناضول
في رحلة سياحية بالأزقة العتيقة لمدينة فاس شمالي المغرب، رافقت الأناضول المرشد السياحي زكرياء العسري (33 سنة) للقاء “با عبد الله” أشهر معدي الشاي المحلي وأقدمهم بالمنطقة التاريخية المزدحمة بسياح أجانب يأتون خاصة للاستمتاع بجلسات الشاي المميزة بجميل النكهة ودفء المكان.
يعد با عبد الله أكواب الشاي ويمدها إلى السياح، في الوقت الذي يحرص فيه زكرياء على تقديم شروحات لسائحة أمريكية وزوجها، اللذين يحرصان على شرب الشاي في هذا المكان كلما زارا المغرب.
وقال زكرياء للأناضول إنه يعرف با عبد الله منذ الطفولة، خصوصا أنه من مواليد المدينة العتيقة التي ألف دروبها وأزقتها التاريخية وحرفييها المهرة في الحدادة والنجارة وإعداد الشاي وغيرها.
ويحرص زكرياء كلما كان برفقة السياح على زيارة با عبد الله من أجل تذوق الشاي الفاسي التقليدي، معتبرا أنه “الشاي الأفضل في المغرب وبالعالم”.
ووفق المرشد السياحي، فإن تاريخ الشاي بالمغرب يرجع إلى 300 سنة خلت، وإن المغاربة ظلوا يتفننون في إعداده، لذلك يردد البعض أن “الشاي يصنع في الصين، والمغاربة يعدونه”.
** الحرفة واللقب
عبد الله التواتي الملقب بـ”با عبد الله” من مواليد 1953 بمدينة فاس، ويمتهن حرفة إعداد الشاي وبيعه مذ كان عمره 13 سنة.
ينكب با عبد الله على إعداد الشاي تارة، وخدمة الزبائن تارة أخرى في محله الذي لا يتعدى أمتارا معدودة، مؤثثا بكراسٍ وطاولات صغيرة.
ويعد الشاي بطريقة خاصة، وما يزيده حلاوة إعداده بماء طبيعي يحرص على جلبه من “العين” (الينبوع) قبل مجيئه للمحل.
ويقول إنه تعلم الحرفة من المعلمين (ويقصد الحرفيين الماهرين) آنذاك، حيث لم يكن يدخل الأعشاب في مزيج الشاي، ولكن مع الوقت بدأ يستعمل “الشيبة والعطاشة والنعناع ومرددوش”.
ويسترجع با عبد الله الجلسات الأخوية التي كانت تطبع الماضي ويحرص على صونها في ظل السرعة والتطورات المتوالية في العصر الراهن، موضحا للأناضول أن “جلسات الماضي كانت تتسم بالأخلاق والإنسانية والطيبة والعلم والكرم، ولكن الآن الأمر تغير قليلا”.
** أجيال جديدة
يتخوف با عبد الله من صعوبة إيجاد خليفة له في عمله الذي كان ينخرط فيه بكل ما أوتي من قوة وشغف، سواء في حرفته إعداد الشاي التقليدي، أو الحرف الأخرى المماثلة بالمدينة العتيقة بفاس.
وأرجع ذلك إلى اهتمامات الأجيال الجديدة المختلفة، وعدم استحضار الضمير والقلب في الأعمال التقليدية الحالية، وفق تعبيره.
واعتبر أنه بات صعبا إيجاد شاب لتعليمه المهنة، لافتا إلى أن “أجرة اليوم” هي أول ما يسأل عنه العامل أو الذي يريد أن يتعلم الحرفة، وهو الأمر الذي لم يكن في السابق، على حد قوله.
** ملتقى السياح
رغم صغر المحل، يعجب السياح بهذا الفضاء خصوصا أن جلسة الشاي عند با عبد الله تتسم بالعفوية والبساطة، ويحدث أن يلتقي سياح من جنسيات مختلفة ويتبادلون أطراف الحديث.
وبخصوص طبيعة السياح الذين يزورون المحل، قال با عبد الله إنهم من مختلف الجنسيات العربية والغربية، يدونون ذكرياتهم عن المحل في دفتر خاص موضوع عند المدخل.
وذكر أن لديه أصدقاء من تركيا وأن سياحا منها أتوا إليه، وقال إن أخوين تركيين زاراه مرة فتوطدت علاقته بهما لسنوات.
وبينما خرج زكرياء بمعية السائحين الأمريكيين، دخل آخرون لارتشاف الشاي في جو عائلي ودافئ، مع ذهاب ومجيء مواطنين آخرين إلى هذا المكان الذي يصارع الزمن من أجل البقاء.