يُعدّ القطاع العقاري أحد المحركات الحيوية للاقتصاد المغربي، إذ يساهم بشكل مباشر في الناتج الداخلي الخام، ويوفر آلاف مناصب الشغل، غير أن تحديات متزايدة باتت تُلقي بظلالها على هذا القطاع الحيوي، في ظل تباطؤ الطلب، وارتفاع أسعار مواد البناء، وتشديد شروط التمويل البنكي.
وحسب معطيات وزارة إعداد التراب الوطني والإسكان وسياسة المدينة، فإن القطاع يشغل أزيد من مليون ونصف مليون شخص، بشكل مباشر وغير مباشر، ويُساهم بما يقارب 6% من الناتج الداخلي الخام. كما يُمثل العقار أحد أبرز مجالات الاستثمار الخاص في المملكة، ويُعد ملاذًا تقليديًا للادخار لدى الأسر المغربية.
طلب متراجع وأسعار ترتفع
رغم هذا الدور الحيوي، عرف القطاع العقاري في السنوات الأخيرة تباطؤًا ملحوظًا، خاصة بعد جائحة كوفيد-19، وما تلاها من تحولات اقتصادية عالمية. وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي سنة 2024، فإن السوق العقارية في المغرب تشهد حالة من “الجمود النسبي”، تعزى أساسًا إلى ضعف القدرة الشرائية للأسر، وارتفاع تكاليف التمويل، فضلاً عن تضخم أسعار مواد البناء.
وفي هذا السياق، أكد عبد الغني السلمي، الخبير في الاقتصاد الحضري، في تصريح لـ”فاس نيوز”، أن “الطبقة المتوسطة باتت تجد صعوبة متزايدة في ولوج السكن، بسبب ارتفاع الأسعار من جهة، وغياب عرض كافٍ من السكن اللائق والمتوسط التكلفة من جهة أخرى”.
التحديات البنيوية: تمويل، وعرض، وتخطيط حضري
من أبرز التحديات التي يواجهها القطاع أيضًا، تلك المرتبطة بالتمويل العقاري. فوفقًا لتقرير صادر عن بنك المغرب، فقد عرف منح القروض العقارية تراجعًا بنسبة 4.2% سنة 2024 مقارنة بالسنة التي سبقتها، بفعل سياسة التشديد النقدي وارتفاع معدلات الفائدة.
في المقابل، يشكو المنعشون العقاريون من ثقل المساطر الإدارية، وتقلب أسعار الأراضي، والنقص في العقارات المهيأة للبناء داخل المجال الحضري، مما يُعرقل دينامية العرض ويُبطئ تنفيذ المشاريع السكنية.
محاولات الإنعاش والتحفيز
أطلقت الحكومة المغربية برامج تحفيزية جديدة بهدف إنعاش القطاع، أهمها برنامج الدعم المباشر للسكن الذي دخل حيّز التنفيذ مطلع 2024، ويستهدف تسهيل ولوج الأسر ذات الدخل المحدود إلى امتلاك السكن، من خلال تقديم دعم مالي مباشر قد يصل إلى 100 ألف درهم لكل أسرة.
في هذا الإطار، رحب الفاعلون في القطاع بالمبادرة، واعتبروها خطوة مهمة، لكنها “غير كافية لوحدها” بحسب تعبير سعاد الحليمي، عضوة في الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، التي شددت على “ضرورة مراجعة سياسة التعمير، وتحفيز الاستثمار العقاري في المدن المتوسطة والصغيرة، وليس فقط في كبريات الحواضر”.
نحو رؤية جديدة للمدينة والسكن
ويُجمع خبراء التنمية الحضرية على أن تجاوز الأزمة العقارية بالمغرب يتطلب اعتماد رؤية شمولية ترتكز على تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وتوفير العقار المُهيأ، وضمان الولوج العادل للسكن، مع الاهتمام بجودة التخطيط العمراني والبنيات التحتية المرافقة.
وفي تقرير حديث صادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، دعت المنظمة إلى “إصلاحات هيكلية لتحفيز الاستثمار في السكن الاجتماعي والمتوسط، وتبني سياسات حضرية مستدامة تُراعي التحولات المناخية والديموغرافية”.
رغم الأزمات المتتالية، لا يزال القطاع العقاري يُشكّل رافعة حقيقية للاقتصاد الوطني، لكن استدامة هذا الدور تظل مشروطة بقدرة الفاعلين والمؤسسات على تجاوز التحديات البنيوية، واعتماد مقاربات مبتكرة تُحقق الإنصاف المجالي والعدالة الاجتماعية في مجال السكن.
المصدر : فاس نيوز ميديا